بسم الله الرحمن الرحيم
استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه من جميع الذنوب والخطايا
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
أولا : يقصد القارئ من قراءته : التدبر والتفكر : و أن يخشع قلبه ويهتدي بنور القرآن : لأن تدبر القرآن هو الغاية من أنزاله : والمقصد من تلاوته : قال تعالى : (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب )) وكان هذا هو هديه صلى الله عليه وسلم : فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : اقرأ علي , قال : فقرأت النساء : حتى إذا بلغت : (( فكيف إذا جئنا من كل أمه بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )) قال لي : حسبك : فألتفت إليه : فإذا عينيه تذرفان ))
ثانيا : يعظم القارئ القرآن : ويستحضر جلالة قدره : وعلو منزلته : وجزيل أنعام الله على من قرأه : فيتهيب لكلام الله بالوجل والخوف والرجاء والفرح به : عسى أن يظفر بالمقصود من إنزاله . وليتهيأ لذلك ظاهرا و باطنا ؛ قال تعالى : ((يا أيها الناس جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهي ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) فمن فاته تدبر القرآن فاتته كنوزه ولم يظفر ببركاته العظيمة . قال ابن رجب رحمه الله : (( النصح لكتاب الله : شدة حبه ؛ وتعظيم قدره ؛ وشدة الرغبة في فهمه ؛وشدة العناية بتدبره ؛ والوقوف عند تلاوته ))
ثالثا : يستعيذ بالله كم كيد الشيطان ؛ فإن الشيطان يسعى جهده لصد القارئ عن تدبر كلام الله والتأثر به ؛ فإن خشع وتأثر سعى لمنعه من الانتفاع بالقرآن والعمل به ؛ بالأعذار و الأماني ؛ فيجعل تأثره به لا يتجاوز وقت القراءة ؛ فليعتصم القارئ بالله من كيد الشيطان و مكره .
رابعا : يحذر القارئ من هجر التدبر ك وترك الخشوع لأنه سبب لقسوة القلب : قال تعالى : ((ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ؛ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ؛ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ؛ وكثير منهم فاسقون )) ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : (( لا تهذوا القرآن هذا الشعر ؛ ولا تنثروه نثر الدقل ؛ قفوا عند عجائبه ؛ وحركوا به القلوب )) ويقول الحسن البصري رحمه الله : (( يا ابن آدم كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر السورة ))
خامسا :يرتل القرآن ترتيلا : و يترسل بدون عجله : همته عرض المعاني على القلب ؛ عسى أن يتأثرا أو يخشع ؛ كالباحث عن معنى يخفى بالقراءة السريعة : ليست همته متى يختم ؟ فهو لا يرضى لنفسه أن يقرا آيات لم يعرف المقصود منها ؛ أو قصة لم يقف عند عبرها ؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان(يقرأ مترسلا ؛ لا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ)
وقد ( قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح ؛ ولآية : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) ولذلك قال ابن قدامه رحمه الله ( التدبر هو المقصود من القراءة ؛ وإن لم يحصل التدبر إلا بقراءة تفسيرها والبحث عن معناها ؛ فليوقف القراءة لذلك .
سادسا : يطيل النظر في مقصود الآيات : و وجوه تأثيرها على نفسه فإذا مر بآيات فيها ثناء لأعمال الصالحين علم انه مخاطب بذلكـ وان ناثره مقصود واقتداؤه مطلوب .وإذا مر بآيات فيها ذم لأعمال العصاة ؛ علم أنه مخاطب بذلك ؛ وأن تأثره مقصود ؛ وحذره مطلوب ومما يعينه على ذلك تصور ما وقع في نفوس الصحابة من اليقين بالله ؛ والثقة بوعده ؛ والعزة بدينه ؛ حين سمعوا الآيات ؛ فالمتدبر للقرآن لا يتجاوز تلك الآيات حتى تنطبع تلك المعاني في قلبه ؛ وينشرح بها صدره .
سابعا : يتدارس القرآن مع إخوانه من أهل العلم ؛ يقول عبد الله بن مسعود ( كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزنهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ) وفي الحديث ( ما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ؛ ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ؛ وغشيتهم الرحمة ؛ وحفتهم الملائكة ؛ وذكرهم الله فيمن عنده )
ثامنا : يعلم أن تدبره و تأمله خير له من كثرة القراءة بدونهما ؛ ولذلك قال ابن حجر رحمه الله : ( من رتل و تأمل كمن تصدق بجوهرة واحدة ثمينة ) وقال ابن القيم رحمه الله ( إذا قرأ بتفكر حتى إذا مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه ؛ كررها لو مائة مرة ولو ليلة ؛ فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمه بغير تدير وتفهم ؛ و أنفع للقلب ؛ و أدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن ))
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يختم لنا شهر رمضان بالغفران، والعتق من النيران.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين